Перейти к:
Позиция ранних суннитских ученых (ас-саляф) в отношении толкования неоднозначных по смыслу священных текстов и мнение имама ан-Навави по этому вопросу
https://doi.org/10.31162/2618-9569-2024-17-1-97-111
Аннотация
Праведные предшественники общины Мухаммада (саляф) придерживались доктрины делегирования (тафвид), которую поздние суннитские богословы называли «наиболее безопасным» учением. Под делегированием понимается отказ от определения смысла, подразумеваемого под словом, с абстрагированием от всего, что может указывать на недостаток или антропоморфизм в отношении Аллаха. Приверженцы раннего ислама ограничивались абстрагированием (танзих), признавая свое незнание конкретного смысла и принимая, что смыслом, каким бы он ни был, является только тот, что подразумевается Аллахом. Имам ан-Навави подтвердил это учение и следовал ему в своих книгах. Поздние суннитские ученые признали единогласно это как метод праведных предшественников (саляф). Однако сами поздние суннитские ученые часто прибегали к методу толкования (та’виль). Метод толкования неоднозначных по смыслу священных текстов, связанных с атрибутами Бога, не был правилом. То есть к нему прибегали лишь в случае необходимости для устранения сомнения или недостатка, которые могут возникнуть из-за обращения к буквальному смыслу слова. Именно по этой причине Ибн-‘Аббас и многие последователи сподвижников (таби‘ун) толковали такие тексты.
Для цитирования:
Аль-Асри А.С. Позиция ранних суннитских ученых (ас-саляф) в отношении толкования неоднозначных по смыслу священных текстов и мнение имама ан-Навави по этому вопросу. Minbar. Islamic Studies. 2024;17(1):97-111. https://doi.org/10.31162/2618-9569-2024-17-1-97-111
For citation:
Al-Asri A.S. The position of early Sunni scholars (as-Salaf) on the interpretation of ambiguous sacred texts and Imam al-Nawawi’s View on It. Minbar. Islamic Studies. 2024;17(1):97-111. (In Russ.) https://doi.org/10.31162/2618-9569-2024-17-1-97-111
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله المطهرين، وصحابته المكرمين، ومن سار على نهجهم واتبع سننهم إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن من أصعب الأمور في علم الكلام مسلك تأويل صفات الباري جل جلاله، وذلك لأن فيها تحديد لمعنى قد لا يكون مرادا لله تعالى في كتابه أو حديث نبيه، ولما كثر من عبارات إنكار السلف للتأويل وذمهم أهله، وتحميل هذه العبارات ما لا تحتمل وحملها على غير وجهها في كثير من الأحيان.
لذلك لزم بيان هذا المسلك، وهل من قائل به من سلف هذه الأمة المباركة، أم هي مجمعة على إنكاره بجميع صورة، وهل الخلاف على التأويل في أصله أم في مصاديقه وكيفية تطبيقه، والله نسأل العون والتوفيق.
وقد أعاني كثيرا في كتابة هذه المقالة، اطلاعي على كتاب القول التمام بإثبات التفويض مذهبا للسلف الكرام، فمن أراد التوسع فعليه بالكتاب[1].
وفي هذا البحث خمسة مباحث:
المبحث الأول: تعريف التأويل لغة واصطلاحا.
المبحث الثاني: ضوابط التأويل.
المبحث الثالث: أدلة مذهب التأويل.
المبحث الرابع: بيان كون التأويل أحد مسالك السلف الكرام.
المبحث الخامس: بيان اتباع الإمام النووي لهذا المسلك.
المبحث الأول: تعريف التأويل لغةً واصطلاحًا
وفيه مطلبان: الأول: تعريف التأويل لغة. والثاني: تعريف التأويل اصطلاحا.
(الهمزة والواو واللام أصلان: ابتداء الأمر وانتهاؤه. أما الأول فالأول، وهو مبتدأ الشيء.
والأصل الثاني قال الخليل: الأيل الذكر من الوعول، والجمع أيائل. وإنما سمي أيلا لأنه يؤول إلى الجبل يتحصن.
وآل يؤول، أي: رجع. قال يعقوب: يقال: " أول الحكم إلى أهله "، أي: أرجعه ورده إليهم.
(ومن هذا الباب تأويل الكلام، وهو عاقبته وما يؤول إليه، وذلك قوله تعالى: {هل ينظرون إلا تأويله} [الأعراف: 53]. يقول: ما يؤول إليه في وقت بعثهم ونشورهم. وقال الأعشى:
على أنها كانت تأول حبها … تأول ربعي السقاب فأصحبا
يريد مرجعه وعاقبته. وذلك من آل يؤول)[2، ص 158 إلى ص 162].
وهذا المعنى يدل عليه قوله تعالى ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59]، أي أحسن عاقبة ومرجعا.
(التأول والتأويل تفسير الكلام الذي تختلف معانيه ولا يصح إلا ببيان غير لفظه)[3، ص 33].
التأويل في الاصطلاح:
التأويل في الاصطلاح فيه خلاف كبير، وقد قسم العلماء المراد بالتأويل على إطلاقات كثيرة، ويرى الباحث أنها تعود إلى ثلاث إطلاقات:
الإطلاق الأول: أن التأويل هو بيان حقيقة الشيء، وما يؤول أمره إليه، ومنه قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: 53]، وهذا الإطلاق راجع لأحد المعاني اللغوية للتأويل.
الإطلاق الثاني: التأويل بمعنى التفسير، والبيان والإيضاح، كقوله تعالى: ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 36]، أي فسر لنا المراد بالرؤيا وبينها لنا.
وهذان الإطلاقان لا خلاف بين العلماء في سواغهما ومشروعيتهما في سائر أبواب الشريعة المطهرة.
الإطلاق الثالث: (نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ)[3، ص 33؛ 4، ص 80].
وأما في عصر السلف الكرام فكان يقصد بالتأويل التفسير، ومن هذا الباب سمى ابن جرير الطبري تفسيره بجامع البيان عن تأويل آي القرآن.
ويقصد به تطبيق الأوامر والنواهي ومن ذلك قول عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان (يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي». يتأول القرآن)[5، ص 281]1، أي يمتثل قوله تعالى ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر: 3].
كما يقصدون به تعبير الرؤى وهو مأخوذ من قوله تعالى ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا﴾ [يوسف: 100].
وأيا كان المراد بالتأويل عند السلف، إلا أن الاصطلاح استقر عند المتأخرين بأن التأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره لقرينة تستوجب ذلك.
المبحث الثاني: ضوابط التأويل
وفيه مطلبان: الأول: ضوابط التأويل. الثاني: ذكر أمثلة على التأويل الصحيح والفاسد.
المطلب الأول: ضوابط التأويل
ويراعى في الضوابط أمران: توافرها في المتأول وتوافرها في التأويل.
أما المتأول فعليه أن يكون عالما معتبرا جامعا لعلوم اللغة والكتاب والسنة، ويرجع في ذلك إلى شروط المفسر والفقيه.
وأما التأويل فالأصل عدم اللجوء إليه، وحمل الكلام على ظاهره، وإن كان لابد منه فلابد من مراعاة ما يلي:
أن يكون للتأويل مستند من لغة العرب، فلا يمكن أن يحمل الألفاظ معان لا تحتملها لغة العرب، فالقرآن والسنة تم بيانهما بلسان عربي فصيح بليغ.
أن يحتمله السياق والتركيب، فلا يكفي مجرد احتمال اللغة للمعنى، فالعين في اللغة يحتمل معان كثيرة، من بينها الحفظ والرعاية وعين الماء والجاسوس وغيرها، فلا يمكن تفسير قوله تعالى ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾ [القمر: 14]، بأنها تجري تحت مراقبة جواسيسنا، وذلك لأن السياق لا يحتمل هذا المعنى، وإنما يحتمل معنى الحفظ والرعاية.
أن يقوم الدليل على صرف الكلام عن ظاهرة، وعدم احتماله له بوجه.
اللفظ يحتمل عدة معان في اللغة، فعند صرف اللفظ عن ظاهره إلى أحد معانيه الأخرى، فلا بد من دليل يحدد هذا المعنى، فتحديد معنى الحفظ والرعاية في قولة تعالى ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ هو ترجيح لأحد المعاني المفتقرة إلى دليل يرجحها عن غيرها.
قال الإمام فخر الدين الرازي: (إذا كان لفظ الآية والخبر ظاهرا في معنى فإنما يجوز لنا ترك ذلك الظاهر بدليل منفصل، وإلا لخرج الكلام عن أن يكون مفيدا ولخرج القرآن عن أن يكون حجة)[6، ص 137].
المطلب الثاني: أمثلة للتأويل الصحيح والفاسد
أما التأويل الصحيح فمثاله قول الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم: 42]، فالساق هنا ليس المراد بها ظاهر اللفظ وهي ساق القدم[7. ص 1498] لأنه يلزم منها الجسمية، بل المراد بها الشدة، أي: يوم يكشف عن شدة وكرب، وإلى ذلك ذهب ابن عباس رضي الله عنه[8، ص 542]2، لأن هذا المعنى تحتمله اللغة ويدل عليه السياق.
ومثال التأويل الباطل: ما يرويه الشيعة في تفسير قوله تعالى ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾ [الرحمن: 19]، من أن المراد زواج علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام، وأن قوله تعالى ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: 22]، أي يخرج من صلب علي وفاطمة عليهما السلام الحسن والحسين عليهم السلام، فهذا مما لا دليل عليه من الكتاب أو السنة ولا العقل، وفيه صرف لظاهر اللفظ المراد إلى أمور خفية نحملها كلام الله تعالى وليس لدينا ما يدل عليها.
المبحث الثالث: أدلة مذهب التأويل.
ويدل على جواز التأويل في صفات الرب جل جلاله إجماع الأمة، حيث قد بلغها تأويلات ثابتة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة فمن بعدهم، وكفى بذلك إثباتا لأصل جواز التأويل في صفات الباري وإن حصل الخلاف في المصاديق.
كما قد روي عن كبار التابعين ومن بعدهم من الأئمة تأويلات في صفات الرب الواردة في الكتاب العزيز والسنة المطهرة، ومن رويت عنهم هذه التأويلات هم أنفسهم من يذمون التأويل وأهله، فعلم أن التأويل في أصله ليس بمذموم وإنما المذموم هو التأويل عن جهل وتجرؤ.
وسيأتي في المبحث القادم ذكر ما روي عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين في هذا الباب.
المبحث الرابع: بيان كون التأويل أحد مسالك السلف الكرام.
في تأويل قوله تعالى ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم: 42]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم «يكشف ربنا عن ساقه»[9، ص 1871]3.
فقد ورد عن ابن عباس أنه قال: (إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب، أما سمعتم قول الشاعر:
أصبر عناق إنه شر باق... قد سن قومك ضرب الأعناق... وقامت الحرب بنا عن ساق
قال ابن عباس: هذا يوم كرب وشدة)[8، ص 542]4.
ولا يقتصر كلام ابن عباس على تقرير تأويل الساق بالشدة والكرب، بل فيه تقرير لقاعدة، وتعليم للمتعلم لمنهج يتبعه، وهو أن ينظر في كلام العرب وسياقه إلى ما مقصود الألفاظ واستخدامها، ولا يقف عند ظاهر اللفظ ويجمد عليه، وفي هذا تقرير لمذهب التأويل إجمالا.
ومن ذلك تأويل الإتيان بإتيان الأمر، في قوله تعالى ﴿أو يأتي ربك﴾ قال ابن عباس والضحاك: أمر ربك فيهم بالقتل أو غيره، وقد يذكر المضاف إليه والمراد به المضاف، كقول تعالى: ﴿وسئل القرية﴾ يعني أهل القرية. وقوله: ﴿وأشربوا في قلوبهم العجل﴾ أي حب العجل. كذلك هنا: يأتي أمر ربك، أي عقوبة ربك وعذاب ربك[10، ص 144].
وأول الحسن المجيء في قوله تعالى: ﴿وجاء ربك﴾، قال الحسن: جاء أمره وقضاؤه[11، ص 422].
وأول الإمام أحمد المجيء في قوله تعالى: ﴿وجاء ربك﴾، قال الإمام أحمد: إنما يجيء ثوابه، قال الإمام البيهقي أن الخبر عن الإمام أحمد ثابت بسند صحيح لا غبار عليه[12، ص 386].
وأول ابن عباس رضي الله عنه ومجاهد وسعيد ابن جبير الكرسي بالعلم، روى الطبري في تفسير قوله تعالى: (وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عنه أنه قال: هو علمه. وذلك لدلالة قوله تعالى ذكره: ﴿ولا يؤوده حفظهما﴾ على أن ذلك كذلك، فأخبر أنه لا يؤوده حفظ ما علم، وأحاط به مما في السموات والأرض، وكما أخبر عن ملائكته أنهم قالوا في دعائهم: ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا﴾ [غافر: 7]، فأخبر تعالى ذكره أن علمه وسع كل شيء، فكذلك قوله: ﴿وسع كرسيه السموات والأرض﴾)[13، ص 401].
وروى الإمام البخاري في صحيحه في بداية باب: ﴿فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون﴾، وقال ابن جبير: ﴿كرسيه﴾: علمه).
كما أول ابن عباس رضي الله عنه وجماعة من التابعين اليد بالقوة في قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات: 47].
فقد روى الطبري في تفسيره:
(حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله ﴿والسماء بنيناها بأيد﴾ يقول: بقوة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ﴿بأيد﴾ قال: بقوة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿والسماء بنيناها بأيد﴾: أي بقوة.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور أنه قال في هذه الآية ﴿والسماء بنيناها بأيد﴾ قال: بقوة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿والسماء بنيناها بأيد﴾ قال: بقوة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ﴿والسماء بنيناها بأيد﴾ قال: بقوة)[17، ص 438].
وأول الإمام البخاري الضحك في قوله صلى الله عليه وسلم «فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه»[18، ص 2705]5، قال البخاري: (معنى الضحك الرحمة)[13، ص 403].
وأول الإمام الطبري الاستواء في قوله تعالى ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ [فصلت: 11]، فقال: (علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال)[19، ص 430].
وفيما سبق كفاية لم أراد الحق في معرفة أن السلف الكرام كانوا يلجؤون إلى التأويل في موضعه، ولم ينكروه من أصله.
المبحث الخامس: بيان اتباع الإمام النووي لهذا المسلك
وفي بيان ذلك مطلبان، المطلب الأول بيان تبنية للمنهج عموما، والثاني إيراده لكثير من تأويلات الصفات.
المطلب الأول: تبنيه لمنهج التأويل عموما.
قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: (وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة حين يبقى من ثلث الليل الآخر يقول: من يدعو فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» رواه البخاري ومسلم. وفي هذا الحديث وشبهه من أحاديث الصفات وآياتها، مذهبان مشهوران:
أحدهما: تأويله على ما يليق بصفات الله سبحانه وتعالى وتنزيهه عن الانتقال وسائر صفات المحدث، وهذا هو الأشهر عن المتكلمين.
والثاني: الإمساك عن تأويلها، مع اعتقاد تنزيه الله سبحانه عن صفات المحدث، لقوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء﴾ [الشورى: 11]، وهذا مذهب السلف وجماعة من المتكلمين، وحاصله أن يقال: لا نعلم المراد بهذا، ولكن نؤمن به، مع اعتقادنا أن ظاهره غير مراد، وله معنى يليق بالله)[15، ص 51].
المطلب الثاني: نماذج من إيراد الإمام النووي لتأويل الصفات وإقراره إياها.
أول الإمام النووي الإتيان بما يلي: (يقال في قوله صلى الله عليه وسلم فيأتيهم الله أن الإتيان عبارة عن رؤيتهم إياه، لأن العادة أن من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالإتيان، فعبر بالإتيان والمجيء هنا عن الرؤية مجازا، وقيل الإتيان فعل من أفعال الله تعالى سماه إتيانا، وقيل المراد بيأتيهم الله أي يأتيهم بعض ملائكة الله)[16، ص 19].
ومن ذلك تأويله «عن يمين الرحمن» بالحالة الحسنة والمنزلة الرفيعة[21، ص 212].
ومن ذلك تأويله الوجه بالذات في قوله صلى الله عليه وسلم: «لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه»[15، ص 14].
ومن ذلك تأويل نظر الرب إلى عباده بالرحمة واللطف فقال: (ومعنى لا ينظر إليهم أي يعرض عنهم ونظره سبحانه وتعالى لعباده رحمته ولطفه بهم)[20، ص 116].
وغير ذلك من التأويلات الكثيرة الواردة في كتبه وكلامه رحمه الله تعالى، مما يثبت جليا إقراره لهذا المنهج عموما، واتباعه له في مواطن كثيرة.
الخاتمة
التأويل أحد المسالك المهمة للتعامل مع النص الشرعي كتابا وسنة، وإهمال التأويل يوقع في مشكلات كبيرة من تناقض النصوص التي يستحيل وقوعها في كلام الشارع، وتجوز المستحيلات العقلية وغير ذلك، كما أن التعامل مع النصوص على أن التأويل هو الأساس وليس علاجا للضرورة يجعل من نصوص الشارع مادة هلامية يسوقها كل أحد وفق أهوائه، لذلك جعل العلماء لهذا المسلك ضوابط وأسس يتبعها المجتهد والناظر، لا سيما في النصوص التي تتناول صفات الخالق جل جلاله لأنها من أخطر الأمور التي يتعامل معها العبد، وخلص البحث إلى أن السلف كانوا يتبعون التأويل في حدود ضيقة جدا، وينكرون على من توسع فيه، والحقيقة أن الفتن والشبه في زمانهم كانت قليلة جدا، ولما كثرت الفتن واشتدت توسع الخلف في العمل بمسلك التأويل، والإمام النووي وإن كان من الخلف إلا أنه كان يميل إلى طريقة السلف، لكنه أول كثيرا من نصوص الصفات في شرح صحيح مسلم لما يقتضيه مقام الحال والواقع.
1. باب: التسبيح والدعاء في السجود. رقم الحديث: 784.
2. باب: تفسير سورة ن والقلم. رقم الحديث: 3845. وصحح الخبر ابن حجر في فتح الباري ج13. ص428.
3. كتاب: التفسير. باب: يوم يكشف عن ساق. رقم الحديث: 4635.
4. باب: تفسير سورة ن والقلم. رقم الحديث: 3845. وصحح الخبر ابن حجر في فتح الباري ج13. ص428.
5. كتاب التوحيد. باب: قول الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة}. رقم الحديث: 7000.
Список литературы
1. Сайф ‘Али Мухаммад аль-‘Асри. Аль-Кауль ат-тамам би-исбат аттафвид мазхабан ли-с-саляф аль-кирам. 4-е изд. Амман: Дар аль-Фатх; 2022. 504 с.
2. Ахмад ибн Фарис ибн Закариййа аль-Казвини ар-Рази. Му‘джам макайис аль-люга. Т. 1. Дамаск: Дар аль-Фикр; 1979. 513 с.
3. Мухаммад ибн Макрам ибн ‘Али ибн Манзур аль-Ансари. Лисан аль-‘араб. Т. 11. Бейрут: Дар Садир; 1414 х. 741 с.
4. Аль-Мубарак ибн Мухаммад ибн Мухаммад ибн аш-Шайбани аль-Джазари ибн аль-Асир. Ан-Нихайа фи гариб аль-хадис ва-ль-асар. Т. 1. Бейрут: Аль-Мактаба аль-‘ильмиййа; 1979. 472 с.
5. Абу-‘Абд-Аллах Мухаммад ибн Исма‘иль аль-Джу‘фи аль-Бухари. Сахих аль-Бухари. Т. 1. Дамаск: Дар Ибн-Касир и Дар аль-Йамама; 1993. 470 с.
6. Фахр ад-дин ар-Рази. Асас ат-такдис. Каир: Мактабат аль-Куллиййат аль-азхариййа; 1986. 149 с.
7. Абу-Наср Исма‘иль ибн Хаммад аль-Джувайни аль-Фараби. Ас-Сихах фи-ль-люга ва-ль-‘улюм. Т. 4. 4-е изд. Бейрут: Дар аль-‘Ильм ли-ль-маляйин; 1987. 1720 с.
8. Абу-‘Абд-Аллах Мухаммад ибн ‘Абд-Аллах аль-Хаким ан-Найсабури. Аль-Мустадрак ‘аля ас-Сахихайн. Т. 2. Бейрут: Дар аль-Кутуб аль-‘ильмиййа; 1990. 684 с.
9. Абу-‘Абд-Аллах Мухаммад ибн Исма‘иль аль-Джу‘фи аль-Бухари. Сахих аль-Бухари. Т. 4. Дамаск: Дар Ибн-Касир и Дар аль-Йамама; 1993. 1929 с.
10. Мухаммад ибн Ахмад аль-Ансари Абу-‘Абд-Аллах аль-Куртуби. Аль-Джами‘ ли-ахкам аль-Кур’ан. Т. 7. Каир: Дар аль-Кутуб аль-мисриййа; 1964. 405 с.
11. Абу-Мухаммад аль-Хусайн ибн Мас‘уд аль-Багави. Ма‘алим ат-танзиль фи тафсир аль-Кур’ан. Т. 8. Эр-Рияд: Дар Тайба; 1997. 601 с.
12. Абу-ль-Фида’ Исма‘иль ибн ‘Умар ибн Касир аль-Кураши аль-Басри ад-Димашкы. Аль-Бидайа ва-н-нихайа. Т. 14. Эль-Гиза: Дар Хиджр ли-ттыба‘а ва-н-нашр ва-т-таузи‘ ва-ль-и‘лян; 1997. 850 с.
13. Абу-Джа‘фар Мухаммад ибн Джарир ат-Табари. Джами‘ аль-байан ‘ан та’виль ай аль-Кур’ан. Т. 5. Мекка: Дар ат-Тарбийа ва-т-турас; б.г. 602 с.
14. Абу-Бакр Ахмад ибн аль-Хусайн аль-Байхакы. Аль-Асма’ ва ас-сыфат. Т. 2. 1-е изд. Джидда: Мактабат ас-Савади; 1993. 493 с.
15. Абу-Закариййа Мухйи ад-дин ибн Шараф ан-Навави. Аль-Маджму‘ шарх аль-Мухаззаб. Т. 4. Каир: Идарат ат-тыба‘а аль-мунира ва матба‘ат ат-тадамун аль-ахави; 1347 х. 657 с.
16. Абу-Закариййа Мухйи ад-дин ибн Шараф ан-Навави. Аль-Минхадж шарх Сахих Муслим ибн аль-Хаджжадж. Т. 3. 2-е изд. Бейрут: Дар Ихйа’ ат-турас аль-‘араби; 1392 х. 233 с.
17. Абу-Джа‘фар Мухаммад ибн Джарир ат-Табари. Джами‘ аль-байан ‘ан та’виль ай аль-Кур’ан. Т. 22. Мекка: Дар ат-Тарбийа ва-т-турас; б.г. 609 с.
18. Абу-‘Абд-Аллах Мухаммад ибн Исма‘иль аль-Джу‘фи аль-Бухари. Сахих аль-Бухари. Т. 6. Дамаск: Дар Ибн-Касир и Дар аль-Йамама; 1993. 2759 с.
19. Абу-Джа‘фар Мухаммад ибн Джарир ат-Табари. Джами‘ аль-байан ‘ан та’виль ай аль-Кур’ан. Т. 1. Мекка: Дар ат-Тарбийа ва-т-турас; б.г. 575 с.
20. Абу-Закариййа Мухйи ад-дин ибн Шараф ан-Навави. Аль-Минхадж шарх Сахих Муслим ибн аль-Хаджжадж. Т. 2. 2-е изд. Бейрут: Дар Ихйа’ ат-турас аль-‘араби; 1392 х. 238 с.
21. Абу-Закариййа Мухйи ад-дин ибн Шараф ан-Навави. Аль-Минхадж шарх Сахих Муслим ибн аль-Хаджжадж. Т. 12. 2-е изд. Бейрут: Дар Ихйа’ ат-турас аль-‘араби; 1392 х. 245 с.
Об авторе
А. С. Аль-АсриРоссия
Абдуррахман Саиф Аль-Асри, докторант
г. Болгар
Рецензия
Для цитирования:
Аль-Асри А.С. Позиция ранних суннитских ученых (ас-саляф) в отношении толкования неоднозначных по смыслу священных текстов и мнение имама ан-Навави по этому вопросу. Minbar. Islamic Studies. 2024;17(1):97-111. https://doi.org/10.31162/2618-9569-2024-17-1-97-111
For citation:
Al-Asri A.S. The position of early Sunni scholars (as-Salaf) on the interpretation of ambiguous sacred texts and Imam al-Nawawi’s View on It. Minbar. Islamic Studies. 2024;17(1):97-111. (In Russ.) https://doi.org/10.31162/2618-9569-2024-17-1-97-111